السبت، 30 مايو 2020

  علاج الادمان على المخدرات في المنزل


المخدرات هي شيطان الهروب من الواقع، والتي يقع فريستها ضعاف النفوس أو الباحثين عن متعة زائفة، متوهمين أن المخدرات قد تساعدهم في حياتهم، فيتحول الشخص المدمن من شخص سوي معتمد على نفسه إلى شخص آخر معتمد على المخدرات في كافة أنحاء حياته، نفسيًا، وجسديًا، وجنسيًا.

فهناك من يغوص في بركة الوحل المعروفة بالإدمان أكثر إلى أن يدمر نفسه كليًا، وهناك من يفوق من ذلك الوهم قبل فوات الأوان،  فيسعى إلى علاج الادمان على المخدرات في المنزل أو في مركز متخصص لعلاج الإدمان.

المخدرات

هي كل ما يذهب العقل فيجعل الإنسان في حاله غير حالته الطبيعية أو حالات اللاوعي، فهي مواد قد تكون طبيعية زرعها الإنسان، أو كيميائية صنعها بيده، أو خليط ما بين الطبيعي والكيميائي، وهي  تعمل على إلحاق الأذى والضرر بجميع أجهزة الجسم، مما قد يؤدي إلى الجنون أو الانتحار أو الموت بجرعة مخدر زائدة.

أنواع المخدرات

تنقسم المخدرات إلى ثلاث أقسام وهما:

      مخدرات طبيعية

وهي المخدرات التي يتم زراعتها مثل الحشيش والبانجو، واللذان يتم استخراجهم من نبات (القنب)، والأفيون والذي يتم استخراجه من نبات (الخشخاش).

      مخدرات تخليقية

وهي المخدرات التي يتم تصنيعها بأيدي الإنسان، والتي تعرف بالكيميا، مثل الهيروين والكوكايين والترامادول والشبو وغيرها الكثير منها.

      مخدرات نصف تخليقية

وهي التي يتم دمج المخدرات الطبيعية أو خلاصتها مع بعض المركبات الكيميائية.

مراحل التحول إلى مدمن مخدرات

لا يدخل الإنسان في دوامة المخدرات بين ليلة وضحاها أو وليدة الصدفة، بل بالعكس يمر بالكثير حتى يصل إلى مرحلة الإدمان ومن أهم هذه المراحل.

      مرحلة التجربة

وهي المرحلة التي يبدأ الشخص فيها بالدخول في أولى خطوات الإدمان، إما بسبب صحبة السوء أو تحت تأثير الظروف.

      مرحلة التعاطي

هي المرحلة التي يدخل فيها الفرد في تعاطي المخدرات بصفة مستمرة أو شبه مستمرة

      مرحلة الإدمان

وهي المرحلة التي يكون المخدرات فيها تمكنت من الجسم وأصبح من الصعب أو المستحيل الاستغناء عنها فيشعر الشخص باحتياجه إليها وقد تجتاحه  نوبات عصبيه حادة وتقريبا قبل جرعة المخدرات.

      مرحلة التعمق واللا عودة

وفي هذه المرحلة يحتاج المدمن إلي تجربه أنواع جديدة وزيادة الجرعة المحددة التي يأخذها والتي تجعله عرضه للموت المفاجئ أو الموت بسبب جرعه زائدة.

أضرار المخدرات

أولا أضرار المخدرات على الجسم

يتسبب تعاطي المخدرات في العديد من المشاكل الجسمانية والتي تؤثر بالسلب على صحة الإنسان ومن أهمها

      القلب حيث تعمل المخدرات على ارتفاع ضغط الدم بصورة قويه مما يؤدي إلى اضطراب في عضلة القلب أو انسداد شرايين وفي بعض الحالات انفجار شرايين في القلب ويؤدي إلى الوفاة.

      الكبد يعرف عن الكبد انه مركز التخلص من  السموم في الجسم وتعاطي المخدرات بكثرة تعمل على زيادة الضغط في عمل الكبد مما يعمل على توقف بعض وظائف الكبد والتي تنتهي بتليف كامل في الكبد

      الجهاز الهضمي حيث تعمل المخدرات على فقدان الشهية لدى المدمنين والذي بدور يعمل على فقدان الجسم لأهم مصادر إمداده بالعناصر الهامة وهي الطعام فيؤدي إلى اضطرابات شديدة في الجهاز الهضمي

      الجهاز التنفسي حيث يعاني المدمنين الذين يتعاطون المخدرات عن طريق الأنف من التهابات شديده في الجهاز التنفسي فقد يعاني من سعال شديد وذلك مع مدمنين الحشيش أو رشح شديد وذلك مع مدمنين الهيروين والكوكايين والشبو والتي تؤدي في النهاية إلي فقدان المدمن إلى جلسة الشم وتصل في بعض الأحيان إلى دمور في الرئة أو الإصابة بسرطان الرئة.

      الدم يكون متعاطي المخدرات عرضه للإصابة بالأمراض وذلك لأن المخدرات تعمل على تقليل نسبة كرات الدم البيضاء الموجودة في الجسم والتي تضعف جهاز المناعة لدى الإنسان ويعمل أيضا على تصلب الشرايين وحدوث الجلطات أو انفجار الشرايين.

      الجنس حيث تؤدي المخدرات إلى الضعف الجنسي العام والذي قد يصل في بعض الأحيان إلى العجز الجنسي الكامل.

 ثانيا أضرار المخدرات على المخ والعقل

      المخ  والعقل يعتبر المخ هو المتحكم في جميع خلايا وأعضاء الجسم حيث يحتوي على ملايين الخلايا العصبية والتي تعمل كمستقبلات حسيه من جميع خلايا الجسم، ويعمل المخدرات على دمور تلك الخلايا مما يؤثر بالسلب على جميع أعضاء الجسم.

فقد يعاني من فقدان الذاكرة الشعور بالدوخة، يعاني أيضا من تخيلات وهلوسات سمعية وبصرية.

علاج الإدمان على المخدرات في المنزل

يتساءل الكثير حول إمكانية علاج الإدمان على المخدرات في المنزل ، أم يجب التوجه إلى المراكز المتخصصة في علاج الإدمان.

في بعض الحالات يمكن علاج الإدمان على المخدرات في المنزل وهي كالتالي:

من الممكن أن يتم مع المتعاطي في بداية مراحل الإدمان قبل التعمق فيها، حيث يسهل السيطرة علية في مراحل العلاج المختلفة  كما من الممكن أن يتم تعزيز ثقته بنفسه في ظل تواجده وسط أسرته وأصدقائه مما يعمل على رفع الروح المعنوية للمتعاطي.


غير ممكن علاج الإدمان على المخدرات في المنزل وذلك لعدة أسباب وهي:

§        أن يكون المتعاطي وصل إلي مرحلة متقدمة من الإدمان.

§        انشغال الوالدين بالأعمال اليومية والتي تخرجهم خارج نطاق متابعة المتعاطي أثناء فترة العلاج.

§        احتياج المدمن إلي علاج نفسي حتي يتمكن من اجتياز مرحلة الإدمان بثقة وقوه نفسية.

§        من الصعب السيطرة على المدمن وتحديدا في الأيام الأولى من العلاج والتي يكون فيها المتعاطي في حالة هياج عصبي شديد، حيث يكون في أضعف حالاته ويكون جسمه في احتياج شديد إلى المخدر.

§        عدم قدرة الأهل على تحمل تكرار محاولات الفشل أثناء العلاج، مما يعمل بالسلب على أضعاف عزيمة وقدرة المتعاطي أثناء العلاج، والتي قد تتسبب في انتكاسة له.

§        يحتاج المدمن إلى التخلص من كل الضغوط التي تسببت في دخوله إلى طريق الإدمان لمعالجة المشكلة من جذورها؛ فيحتاج إلى دعم نفسي قوي

§        لا يتم إلا من خلال طبيب نفسي مختص يكون من المستحيل فيها علاج الإدمان على المخدرات في المنزل.

علاج الإدمان على المخدرات في المراكز الطبية المتخصصة

يحتاج إلي إرادة قوية من أجل إتمامه، ومن أهم الخطوات هي رغبة المدمن في الشفاء، والتحلي بالصبر والإرادة والعزيمة والإصرار على إكمال علاجه.

خطوات علاج الإدمان على المخدرات

      مرحلة الانسحاب

وهي مرحلة سحب السموم من الجسم، والتي يحتاج فيها المدمن من بين ١٥ يوما إلى ٣٠ يوم، وذلك على حسب الكمية والنوع وترجع أيضًا إلى تمكن المخدر من الجسم،  واستجابة الجسم نفسه لطرد تلك السموم.

      مرحلة العلاج بالأدوية

فهناك بعض أنواع المخدرات التي من المستحيل أن يتم إيقافها من الجسم مرة واحدة، ولكن يتم سحبها تدريجيًا وذلك بتقليل الجرعة.

      تدعيم الصحة الجسمانية والنفسية

وفيها يتم متابعه الحالة النفسية للمدن من خلال جلسات العلاج النفسي سواء الجلسات الفردية أو جلسات العلاج الجماعي، ومتابعه إمداد جسم المدمن بالعناصر التي يحتاجها الجسم والتي فقدها أثناء فتره العلاج.

       منع الانتكاسة

حيث يجب متابعه المدمن حتى بعد الانتهاء من جميع مراحل العلاج، وذلك للتأكد من ألا يعود إلى المخدرات، حتى إذا وقع تحت أي ضغط نفسي أو جسماني، وللتأكد من قوة إرادته على المدى الطويل.

 

 


السبت، 2 مايو 2020

ما هو الفرق بين الحوسبة الكلاسيكية والكمومية؟ وكيف ستؤثر على مستقبل الحوسبة وعلم البيانات؟

مع اقتراب وصول الحوسبة الثنائية أو الكلاسيكية إلى حدود أدائها، أصبحت
الحوسبة الكمومية واحدةً من الاتجاهات الرقمية الأسرع نموًا ومن المتوقع
أنْ تكون الحل لتحدّيات ما يُعرف بالبيانات الكبيرة (Big Data) في
المستقبل

ما هو الفرق بين الحوسبة الكلاسيكية والكمومية؟ وكيف ستؤثر على مستقبل
الحوسبة وعلم البيانات؟ بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربيفي كل يوم
يُنشئ البشر أكثر من 2.5 إكسابايت من البيانات ويستمر هذا العدد في النمو
مع الاستخدام المتزايد لإنترنت الأشياء وتقنية الاتصالات 5G. ويُعد
التعلّم الآلي والذكاء الصناعي إحدى الطرق المساعِدة في إدارة البيانات
وتحليلها، لكن مع الابتكار السريع والمستمر في التقنيات قد تصبح البيانات
مُعقّدة بشكلٍ متزايد لجمعها وتحليلها بواسطة الحواسيب الحالية.

الحوسبة الكلاسيكية

من المعلوم أنِّ أجهزة الحواسيب الحالية تُخزّن البيانات بالنظام 0 أو 1،
تُعرف القيمة الواحدة بالبت وهي أصغر وحدة في نظام الحاسوب الكلاسيكي
ومجموع أكثر من قيمتين تعرف بالبتّات.

وتسمى سلسلة المجموعة من البتّات معًا بالرمز الثنائي. على سبيل المثال،
يتم تخزين الحرف "A" في الحوسبة الكلاسيكية في شكل ثنائي بالرمز 0100
0001، ويكمن التحدي في الحوسبة الكلاسيكية في أنّه يمكن تشغيل عملية
حسابية واحدة فقط في كل مرة. لذلك عندما تكون هناك مجموعة كبيرة من
البيانات التي تحتاج إلى عمليات حسابية مُعقّدة فإنَّ هذا يؤثر بالسلب
عليها ويُقلّل من قدرتها الحسابية.

الحوسبة الكمومية

الحوسبة الكمومية تعمل بطريقة مغايرة لأجهزة الحواسيب الحالية، من خلال
الاستفادة من خواص الذرّات والجزيئات الفردية التي تُعرف بميكانيكا الكم،
حيث بإمكانها تخزين المعلومات ومعالجتها في وقتٍ واحد بطرق يُستحال
تنفيذها مع أجهزة الحواسيب الحالية. يمكن للبت الكمومي أو اختصارًا
بالكيوبت وهو أصغر وحدة في نظام الحاسوب الكمومي، أنْ يتخذ العديد من
الأشكال مثل الذرّات، الأيونات، الفوتونات، وحتى الإلكترونات الفردية
التي تتحرّك في الدارات الكهربائية. بعكس البتّات الكلاسيكية يمكن أنْ
تكون الكيوبتّات في حالة 0 و 1 في نفس الوقت! لذا فإنَّ ما تقيسه يحدّد
ما سيكون عليه الناتج النهائي للكيوبت من خلال خاصيتي التراكب والتشابك
الكمومي.

الحالات المتعددة

بفضل خاصية التراكب الكمومي الموجودة في فيزياء الكم، يمكن أنْ تكون
الكيوبتّات في حالات متعدّدة في نفس الوقت بقيمة 0 و 1، لأي مجموعة من
الأرقام الثنائية. لتبسيط هذا المفهوم، تخيّل أنَّ هناك حاسوب كمومي يلعب
الشطرنج، من خلال خاصية التراكب سيكون قادرًا على تحليل كل حركة ممكنة في
وقتٍ واحد من الطرف الآخر، ثم اختيار الأفضل. بعكس جهاز الحاسوب الحالي
الذي يحتاج إلى تحليل واتخاذ الحركات واحدة تلو الأخرى.

القوة الأسية

خاصية أخرى غريبة للكيوبت تسمّى التشابك الكمومي وهي مقدرتها على
الارتباط حتى على مسافات ضخمة- حيث لا يوجد أي احتمال لاتصال مادي-
وعندما يتم ربط وحدتي كيوبت معًا فإنهما سيشتركان في حالة أو قيمة مماثلة
إما 1 أو0. وكل كيوبت يتم إضافته إلى المجموعة سيُضاعف بشكل أُسي من
قدرات المعالجة. فيمكن لزوج من الكيوبت تجسيد أربع حالات، بينما ثلاث
كيوبتّات تجسّد ثماني حالات، أما إذا كان عدد الكيوبتّات 300، فإنّها
تجسّد عدد حالات أكثر من عدد الذرّات الموجودة في الكون!

آلة تورينج

في عام 1930 اخترع البريطاني آلان تورينج جهازه الذي سمّي بآلة تورينج ،
وكان له الفضل في التمهيد لاختراع جهاز الحاسوب. تتألّف مكوّناتها من
شريط بطول غير محدود مقسّم إلى مربعات فردية. تحمل كل من هذه المربعات
قيمة 1 أو 0. بعدها يتم وضع الشريط داخل جهاز لقراءة بيانات المربعات
الفردية، ومن ثم إرسال مجموعة الأرقام الثنائية إلى آلة تقوم بتنفيذها
واحدة تلو الأخرى، بطريقة مشابهة لما يفعله جهاز الحاسوب أو الهاتف
الذكي، فهو يأخذ سطر واحد من التعليمات البرمجية في كل مرة ويقوم
بمعالجته.

لكن ماذا لو تم منح آلة تورينج قدرات الحوسبة الكمومية؟ ستصبح المربعات
الفردية غير مقتصرة على الاحتفاظ بـ 1 أو 0 فقط، وانّما كلتا الحالتين في
نفس الوقت! مما يسمح لجهاز تورينج النظري إجراء كمية هائلة من الحسابات
في وقتٍ واحد، بشكلٍ يجعله أقوى نظريًا من أحدث أجهزة الحواسيب العملاقة
اليوم.

أهم التطبيقات الواعدة في الحوسبة الكمومية

قد تتساءل عزيزي القارئ عن التأثير الذي يمكن أنْ تُحدثه الحوسبة
الكمومية في مستقبل علم البيانات، اليك أهم التطبيقات الواعدة التي
ستقدّمها أجهزة الحواسيب الكمومية.

تعزيز التشفير

نظرًا لعدم إمكانية ملاحظة أجهزة الحواسيب الكمومية والكيوبتّات
الداخلية، قياسها أو نسخها بشكلٍ مباشر، فهناك إمكانيات هائلة لعصرٍ جديد
من التشفير الكمومي يمكن أنْ يُحدث نقلة ثورية في كيفية الحفاظ على أمن
بياناتنا الرقمية.

كسر التشفير

على الجانب الآخر، تعِد الحوسبة الكمومية بقدرات هائلة لكسر جميع طرق
التشفير الحديثة. يعتمد تشفير اليوم على تحليل الأعداد الثنائية الكبيرة
إلى عواملها الأولية لإبعاد مفاتيح التشفير عن أيدي المتطفّلين، لكن قوة
المعالجة في أجهزة الحواسيب الكمومية تُمكّنها بسهولة من حساب هذه
الأرقام، مما يؤدي إلى كسر العديد من أنظمة التشفير التي نراها اليوم.

محاكاة النظام

ستكون أجهزة الكمبيوتر الكمومية أيضًا رائعة لدراسة التفاعل بين الذرّات
والجزيئات بمستوى دقيق في التفاصيل، والتي ستسمح لنا بتطوير أدوية ومواد
جديدة.

حل المشاكل المعقّدة

نظرًا لأنَّ أجهزة الحواسيب الكمومية بإمكانها تحليل الكثير من البيانات
في وقتٍ واحد، فإنَّ هذا يجعلها رائعة لاستكشاف الخوارزميات ومجموعات
البيانات المعقّدة للغاية.

الطب الحديث

يمكن للحوسبة الكمومية أنْ تساعد في تطوير علاجات السرطان، عن طريق البحث
في أسرار البروتينات داخل الحمض النووي، والتي ستسمح بتعيين وتعديل
البروتينات بالكامل مثلما يفعل العلماء حاليًا في الجينات.

في الأخير، مع اقتراب وصول الحوسبة الثنائية أو الكلاسيكية إلى حدود
أدائها، أصبحت الحوسبة الكمومية واحدةً من الاتجاهات الرقمية الأسرع
نموًا ومن المتوقع أنْ تكون الحل لتحدّيات ما يُعرف بالبيانات الكبيرة
(Big Data) في المستقبل. على الرغم من أنّها لا تزال في بداياتها، إلا أن
الولايات المتحدة تُخطّط لاستثمار أكثر من 1.2 مليار دولار في الحوسبة
الكمومية على مدى العشر سنوات القادمة في سباق عالمي لبناء أفضل تقنية
كمومية في العالم.

ما هو الفرق بين الحوسبة الكلاسيكية والكمومية؟ وكيف ستؤثر على مستقبل
الحوسبة وعلم البيانات؟ بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي

الجمعة، 1 مايو 2020

نسيم الصبا: رواية عن الحب الأسطوري؛ لأن الواقع ثقيلٌ ثقيل

تحليل رواية نسيم الصبا للكاتب دانيل غلاتاور، ونظرة على معنى الحب
والرواية الرومانسية والأدب المسلي وطرق التواصل البشري.

نسيم الصبا: رواية عن الحب الأسطوري؛ لأن الواقع ثقيلٌ ثقيل بواسطة
أراجيك - نثري المحتوى العربي"نسيم الصبا" هي رواية للكاتب النمساوي
"دانيل غلاتاور" ذات النجاح الباهر. نُشرت الرواية للمرة الأولى عام 2006
وسرعان ما تصدرت قائمة أفضل المبيعات في النمسا وألمانيا. ترشحت أيضًا
للجائزة الألمانية للكتاب في العام نفسه، تم اقتباسها في عدة مسرحيات
وترجمت إلى أكثر من 35 لغة. في عام 2015 صدرت "نسيم الصبا" بترجمة محمود
حسنين عن دار كلمة.

نرشح لك قراءة: لماذا نُحبّ؟ طبيعه الحُبّ وكيميائه: دليلك لفهم طبيعة
الحُبّ الرومانسي!

رسائل يحملها نسيم الصبا

رواية "نسيم الصبا" للكاتب "دانيل غلاتاور".

تقع رواية "نسيم الصبا" للكاتب النمساوي "دانيل غلاتاور" في 340 صفحة،
وهي مكتوبة بطريقة الرسائل الإلكترونية. النص من أوله إلى آخره سرد
لمراسلات تقع بين شخصين هما ليو لايكه وإيمي روتنر عبر الإيميل، تبدأ
المراسلة بخطأ من إيمي التي تعاني مشكلة في الخلط بين حرفي E وI، وبدلًا
من التواصل مع مجلة تبغي إلغاء اشتراكها فيها، تجد نفسها تنجذب في محادثة
تتشعب وتطول مع هذا الغريب.

أدب الرسائل ليس بدعة، والأدب المسرحي القائم على تسجيل حوارات تخلو
تقريبًا من أي سرد خارجي معروف كذلك. الفرق هنا أن النص مصبوغ بروح العصر
مواكب لتطور طرق المراسلة و –الأهم– ما تطرحه من خيارات. تعمد الرواية
إلى استكشاف هذه الطريقة من طرق التواصل وعرض تفاصيلها المعبرة. نعرف في
الصفحات الأولى أن ليو باحث لسانيات نفسية يدرس تأثير الرسالة
الإلكترونية على السلوك اللغوي، وبوصفها وسيلة لنقل المشاعر. لا أدّعي أن
النص يرقى إلى درجة كونه بحثًا جادًا عن المسألة لكنه بالتأكيد يمنحك ما
يمكن أن تكتفي به رواية خفيفة تسعى أولًا إلى تسليتك.

نرشح لك قراءة: راوية الأفلام: رواية تتحدث عن مملكة من الخيال تتمدد في كادر عابر!

ما العيب في رواية رومانسية جيدة؟

حصلت الرواية الرومانسية على سمعة سيئة بسبب ارتباطها مؤخرًا بالأدب
الرديء. الحقيقة أن نوعي أدب الرعب والرومانسية حصلا على المشاركة الأكبر
خلال موجة النشر الواسعة التي أغرقت المكتبات المصرية في الأعوام
الأخيرة. النوع الأول باعتباره امتدادًا لجيل كامل من التأثر غير الناضج
بكتابات الكبير أحمد خالد توفيق، والثاني باعتباره الأسهل وصولًا إلى
جمهور الإناث والمراهقين بشكل عام. مع استفحال المشكلة بمرور سنوات لا
تخلف إلا مزيدًا من المحاولات العجلى لكتابة أدب عاطفي متماسك، صار
ضروريًا طرح السؤال: هل ثمة مجال أصلًا لكتابة أدب رومانسي جيد؟ هل يحتمل
التصنيف ذاته أي درجة من الجودة؟

الواقع أن مجال الرومانسية –في الأدب والأفلام على السواء– يكاد يُعامل
باستخفاف هو أثر ارتباطه بشريحة معينة من الجمهور وعدد من القوالب
الجاهزة التي بليت من التكرار. يبدو أحيانًا أن النقاد لا يعاملون أدب
الحب باحترام إلا إذا ارتبط بالحرب والكارثة والسياسة. من جهة أخرى فإنك
تتساءل ما إذا كان ثمة مزيد ليقال عن الحب، أو إن كان من متسع ليستقل أدب
الرومانسية بذاته من الأساس.

يعلم المتابع لأنواع الفنون أن ليس ثمة مزيد ليقال عن أي شيء، وكل جديد
هو إعادة إنتاج لقديم تصبغه الجدة في أفضل الأحوال. وما كانت النظرة
المقللة من أدب الرومانسية إلا تعاليًا على فكرة التسلية نفسها، إذ يظن
البعض أن الاستمتاع بكتاب لا يكفي، وأن الجدير بكل فن تحقيق مطالب هائلة
مثل تغيير العالم والتأثير في الأشخاص وتسليط الضوء على المشاكل الجادة
إلى آخره.

بالنظر إلى "نسيم الصبا" يزداد إيماني بعظمة فكرة العرض والطلب. الرواية
التي بين أيدينا لا تعد إلا بساعات من التسلية الخفيفة. رواية تجعلك
تبتسم مرارًا ويعلو إيقاعها كلما انتابته الرتابة. أتراه –الكاتب– يداعب
فضولك المذنب للاطلاع على محادثات البشر الخاصة وما يجري في خلواتهم؟
وليكن، فأي فائدة للأدب أكبر من إشباغ الرغبات في صورتها الأقل ضررًا؟
أنا مثلًا أعتقد أنه ليس ثمة وسيلة للتعبير عن انبهارك بالقتلة أفضل من
تكرار مشاهدة "Dexter" أو كتابة رواية عن قاتل ينجو بفعلته. إذا كان
المعيار المجتمعي الحاكم على تصرفات البشر يضيق مع الوقت فإن الفن ثغرة
مفتوحة على فضاء بلا قيود.

نرشح لك قراءة: خارطة الحب: رواية تتخطى حدود المشاعر والفوارق بين البشر!

خارج الزمان

حتى البحث عن السعادة يبدو مستهلكًا شديد الابتذال.

"لا شيء. لا يوجد أشخاص حولنا. لا عنوان لنا. لا عمر لنا. لا وجوه لنا.
لا نميز بين الليل والنهار. نعيش خارج الزمان، ليس لدى كل واحد منا سوى
شاشته أمامه وحده فحسب، ولدينا هواية مشتركة: يهتم كل منا بشخص غريب
تمامًا بالنسبة له. برافو!"

كل زخرف يضيفه المرء للعالم يتسبب في إنشاء عوالم صغيرة ما تفتأ تكبر
وتستقل. كل اختراع جديد يفتح أبوابًا من الاحتمالات الممتدة على مدى
البصر. أما البشر فحفنة من الأطفال يجربون الألعاب على أمل العثور على
تسلية. إيمي روتنر امرأة سعيدة، لها زوج وطفلان وحياة مثالية، لكنها تقرر
أن السير وراء الانجذاب غير المفهوم تجاه تجربة ما ضروري. ليو لايكه غادر
قبل قليل علاقة فاشلة مسممة امتصت روحه على مدار سنوات، وهو بالتأكيد
منجذب لفكرة إزالة كل العوامل المحيطة للعلاقات والتركيز على عامل واحد
يراه مستحقًا للإخلاص: الكلام. يجتمعان بدوافع مختلفة ومتشابكة، ويشتركان
في رغبة في إيجاد عالم بديل قد يطرح بالتبعية نتائج بديلة. إذا كنت جربت
الطرق الاعتيادية ورأيت مآلاتها –جيّدَها وسيّئَها– فلعله قد حان الوقت
لإنشاء ظروف قياسية، قصة حب مختلفة. أليس هذا ما يبحث عنه المرء في الحب
وغيره؛ التميز والفردانية؟ حتى البحث عن السعادة يبدو مستهلكًا شديد
الابتذال.

من اليسير الخروج لمقابلة امرأة والمرور بالخطوات المعتادة، لكن هذا –بعد
كونه نافيًا للعفوية والغرابة المتوائمين مع تصور الإنسان الحديث
للرومانسية– متاح لدرجة تدعو إلى الزهد. رواية "نسيم الصبا" تفحص حالةً
من النزوع المشترك إلى تصعيب الحياة، إلى تلافي السيناريوهات الجاهزة
المطروحة، واختيار مقامرة هي أقرب ما يكون للأمان وضمان النتائج، ظاهريًا
على الأقل.

نرشح لك قراءة: نظرة على المجتمع المصري في أدب نجيب محفوظ: التفاوت
الطبقي نموذجًا!

أود أن أراك

الكاتب النمساوي "دانيل غلاتاور" صاحب رواية "نسيم الصبا".

معظم ما يسميه الناس حبًّا لا يُعوّل عليه. وبينما يبدو للوهلة الأولى أن
كتابة رواية كهذه يحوي تقديرًا للحب وتمجيدًا لصور الانجذاب العاطفي
المتعددة، أرى أن النص يبطن شيئًا من النقد يسهل أن تلاحظه. في الرواية
يتحادث الشخصان لشهور، يقعان في الحب ويسمحان للمحادثة أن تمتد على هامش
مجريات حياتيهما، متظاهرين في البداية أنها محدودة أو معدومة التأثير،
دون أن يقع بينهما لقاء واحد أو يعرف أيهما وجه الآخر.

ربما هذه قراءة مبالغة تجبر الكاتب على ما لم يقله، الواقع أن النص وإن
احتمل درجة من العمق فإنه لا يحتاج إليها. لكن بما أن الكاتب يفقد جزءًا
من امتلاكه لروايته بمجرد عرضها، وبما أنني باعتباري قارئًا أملك هذا
الجزء المفقود، فإن تحميل النص معاني حقٌ من حقوقي. لعله ليس بيدي القطع
بما عناه الكاتب وما أراد إيصاله، لكني أستطيع بالتأكيد الإشارة إلى ما
تحتمله "نسيم الصبا" من النظريات. الكاتب نفسه –وإن كان منشئ العمل
وصاحبه– لا يتيسر له الحفر فيه والتنقيب بين سطوره كما يتيسر للقراء.
تقول إيمي في عبارة مربكة:

"أود أن أعرف شكلك. سيفسر ذلك الكثير. أعني أنه سيفسر لمَ تكتب كما تكتب.
لأن شكلك سيكون مثل شخص يكتب مثلما تكتب، وأود أن أعرف ما هو شكل شخص
يكتب مثلك. سيفسر هذا ذاك".

يُحسب للكاتب في المجمل أنه لم يلوِ عنق المنطق لمجرد إرضاء القراء، وأنه
أبقى مسار الحكاية واقعيًا بالقدر المطلوب.

خلال نص رواية "نسيم الصبا"، كان الكاتب "دانيل غلاتاور" مطالبًا بوصف
الأحداث المحيطة بالحوار من خلال المحادثات، وقد أسهم هذا الدمج السلس في
تجميل النص وترسيخ واقعيته. أيضًا كان مطالبًا بتوصيف الشخصيات بما يزيد
على مجرد إتاحة المجال لهم ليتحدثوا. تحقق هذا إذ إنه من المثير للعجب
القدر الذي يمكن للمدقق استشفافه عن حقيقة المرء من مجرد قراءة ما يكتب.
إذا كان الغرض من توصيف الشخصيات توصيل انطباع للقارئ يعينه على تصورها
والارتباط بها فقد أدى كاتب "نسيم الصبا" هذا وزيادة.

نرشح لك قراءة: حسن العواقب والكتابة النِسوية: حكاية أول رواية عربية في
تاريخ السرد العربي!

بعيدًا عن الأساطير

"لكني أدركت سريعًا الفرق بينك وبين مِييا. أنت لا تجرئين حتى أن تصفي لي
البيانو الخاص بك لأنه من المفترض أن يظل بعيدًا عن عالمي. أما مييا
فتنحني –على بعد نصف متر مني– على طبق صغير وتلف المعكرونة الإسباجيتي
بالبستو على الملعقة، وحين تدير رأسها جانبًا، أشعر بتيار الهواء الناشئ
عن ذلك… مييا مادة ملموسة محسوسة، أما إيمي فمحض خيال، وكل له عيوبه
ومزاياه."

تنتهي رواية "نسيم الصبا" للكاتب النمساوي "دانيل غلاتاور" صاحب رواية
"نسيم الصبا" بمواجهة إيمي وليو لحقيقة الوضع التي لاحظها القارئ –الناظر
من الخارج– بسهولة: هذه العلاقة غير كافية لتلبية الحاجات الطبيعية. ليس
فقط لتعقد وضع إيمي المتزوجة، ولكن لأن ارتفاع سقف التوقع خلال شهور
المحادثة يربو فوق كل واقع متاح.

لا يمكن لأي حياة حقيقية أن تواكب كل هذا التخيل. وبشكل مؤكد، فإنه ليس
ثمة وسيلة للعودة إلى اندماج سريع بالواقع. يواجها الحقيقة البديهية التي
تقول إن القواعد العامة وضعت لسبب هو أنها طبيعية، والخروج عليها يمكن أن
يكون نزوة ممتعة في أفضل الحالات. بعد كل شيء، أليس هذا أفضل ما يمكن أن
يحققه الحب الأسطوري المجسد في الأدب والسينما؟

نسيم الصبا: رواية عن الحب الأسطوري؛ لأن الواقع ثقيلٌ ثقيل بواسطة
أراجيك - نثري المحتوى العربي